
في قلب الدينامية الرقمية التي يشهدها المغرب، يشغل الذكاء الاصطناعي مكانة بارزة في النقاش العمومي حول مستقبل التعليم. لم يعد الحديث مجرد تنظير أكاديمي، بل تحول إلى مواجهة مكشوفة بين أنصار الثورة التقنية والداعين للتحفظ على تأثيراتها، بالنظر إلى ما تحمله من وعود وآمال مقابل مخاوف مشروعة حول فقدان جوهر العملية التعليمية والبعدين الإنساني والقيمي.
تشهد الساحة الوطنية تطورات متسارعة بعدما ألحت الحكومة، بتوجيهات من الملك محمد السادس، على ضرورة إدماج الذكاء الاصطناعي في صلب السياسات العمومية، خاصة مع تخصيص ميزانية تاريخية تفوق 11 مليار درهم لإطلاق استراتيجية المغرب الرقمي 2030، وتأهيل 100 ألف شاب وشابة في المجالات الرقمية، وخلق 240 ألف فرصة شغل جديدة في العمل الرقمي بحلول نهاية العقد. هذا الاهتمام غير المسبوق بالرقمنة دفع النقاش إلى المدارس والجامعات، وأثار جدلاً حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية، وعما إذا كان من الممكن استبدال المجهود البشري الجامد بهذا الوافد الإلكتروني الصاعد.
المؤيدون يرون في الذكاء الاصطناعي حلًّا مثاليًّا للكثير من العوائق، مثل تكييف الدروس حسب حاجات كل متعلم، وتسريع وتيرة التحضير والتقييم، وحتى معالجة الفروق الفردية والتعليم التفاعلي المخصص. فالتقنية الجديدة قادرة على مساعدة الأستاذ في تحضير الدروس وخفض ساعات الإعداد إلى دقائق، وتوفير موارد تعليمية غير محدودة، وتحليل بيانات كل طالب من أجل معالجة التعثرات بشكل فعال وسريع. وتستخدم حاليا في تجارب مغربية متعددة روبوتات وبرامج تعليمية موجهة لأطفال المناطق النائية بهدف تقليص الفوارق في الفرص المعرفية، في إطار شراكات وطنية بين الوزارة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
لكن من جهة أخرى، يحذر العديد من التربويين والخبراء من تهديد الذكاء الاصطناعي للقدرات الشخصية للمتعلمين، معتبرين أن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا يمكن أن يؤدي إلى خسارة المهارات الذاتية وصعوبة ترسيخ التفكير النقدي والإبداعي. فقد كشف المفتش العام للشؤون التربوية بوزارة التعليم أن استعمال الأدوات الذكية يُحْدِث فارقًا واضحًا في مستوى الاستيعاب، وقد يضر بجودة التحصيل العلمي حين يعتمد المدرس أو الطالب بالكامل على حلول الاصطناعي.
كما يُطرح في النقاش الحديث عن تزايد احتمالات الغش وغياب القيم التنافسية، وظهور إشكاليات أخلاقية جديدة مرتبطة بسرية البيانات والحقوق الفكرية، بالإضافة لتحديات السيادة الرقمية وحماية الخصوصية، وهي اعتبارات ناقشها المشاركون في المناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي بالرباط. وتزداد هذه الهواجس مع توجيه الوزارة تنبيهاً حول اللجوء المفرط للأساتذة للذكاء الاصطناعي في الإنتاج الأكاديمي، وما لذلك من انعكاس على نوعية التعليم المغربي وسمعة مؤسساته.
من جهة ثالثة، هناك تيار يدعو إلى تحقيق التوازن بين الإمكانات المتقدمة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وبين أهمية الحفاظ على الدور الإنساني والإبداعي في التعليم المغربي، بالانكباب على تطوير المناهج وتعزيز الكفاءات الرقمية دون إلغاء جوهر التدريس الحي المباشر والحميمي. ويجمع هذا التيار على أن مستقبل المغرب يعتمد على الاستفادة الذكية من التقنيات دون الوقوع في فخ الاستسهال وفقدان الهوية التربوية المغربية الأصيلة.
في المحصلة، تظل قضية الذكاء الاصطناعي في التعليم بالمغرب ملفاً مفتوحاً على نقاش عميق وتحديات متنوعة. المستقبل مرهون بما ستسفر عنه التجارب الوطنية والإجراءات الحكومية، ومدى قدرة المنظومة التعليمية المغربية على تحويل هذه التحديات إلى فرص حقيقية تُعزز جودة التربية وتفتح آفاقاً جديدة أمام جيل من المغاربة، ليكونوا ليس فقط مستخدمين للتقنيات بل رواداً فيها، دون التفريط في القيم التي صنعت نجاح المدرسة المغربية عبر عقود
Photo de Ron Lach : https://www.pexels.com/fr-fr/photo/etudiants-apprendre-salle-de-cours-salle-de-classe-10638075/