
في ظل التحولات العالمية المتسارعة وتزايد الرهان الدولي على الطاقة النظيفة، يسطر المغرب فصلاً جديداً من التميز عبر مشاريع استراتيجية ضخمة في مجال السيارات الكهربائية وتكرير الليثيوم، فتتحول المملكة إلى مركز إقليمي رئيسي للتصنيع والتصدير نحو أوروبا وأسواق العالم، وسط تقديرات تؤكد تضاعف صادراتها من المركبات والسيارات الكهربائية بشكل غير مسبوق خلال العام الجاري.
يأتي هذا الصعود المغربي مدفوعاً برؤية واضحة يقودها الملك محمد السادس، جعلت المملكة وجهة مفضلة للشركات العالمية بفضل موقعها الجغرافي القريب من أوروبا، وبنيتها التحتية المتقدمة، وتنافسية اليد العاملة المدعومة بشراكات استثمارية حكومية مغرية. وإن لم يكن خفض التكلفة وحده سر النجاح، بل هو التكامل بين الابتكار التكنولوجي واستقطاب الاستثمارات الضخمة في قطاعي الليثيوم وتصنيع البطاريات.
وخلال 2025، ينتظر أن ترتفع الطاقة الإنتاجية للسيارات الكهربائية بالمغرب إلى أزيد من 107 آلاف وحدة، بعدما سجل القطاع نمواً استثنائياً في السنتين الماضيتين. من بين المشاريع الضخمة التي تشكل محور هذا التحول، بناء مصانع متخصصة في إنتاج وتكرير مكونات البطاريات، أبرزها مصنع «غوشن هاي تيك» الصيني الأوروبي، باستثمارات تفوق 6.5 مليارات دولار، ويشمل مراحل متعددة أولها بطاقة إنتاجية تصل إلى 20 غيغاواط، مع استعداد لمضاعفتها لاحقاً.
تتميز المنظومة الصناعية الجديدة بتكاملها الكامل من المواد الأولية وصولاً إلى إنتاج الخلايا المتطورة للبطاريات، ليصبح المغرب من بين خمس دول عالمياً التي توفر هذا التكامل الصناعي. وقد أدت هذه الدينامية إلى تدفق الطلبات من كبريات شركات صناعة السيارات في أوروبا، ويُتوقع أن يتجاوز المغرب بعض الدول الأوروبية في حجم الإنتاج بحلول عام 2028.
وليس هذا كل شيء، فالمشاريع الجديدة توفر آلاف فرص العمل وتنهض بالكفاءات المغربية التقنية، كما تعزز انتقال البلاد نحو اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة، مع تركيز خاص على التصدير للأسواق الأوروبية المتعطشة للنقلة الطاقية الخضراء. ولتعزيز تنافسية القطاع، أتاحت الحكومة المغربية إعفاءات ضريبية وتسهيلات لوجستية غير مسبوقة، ما شجع شركات صينية وأوروبية على تأسيس مصانع لتجميع السيارات الكهربائية محلياً وترك أثر مستدام على التنمية الاقتصادية في الأقاليم الصناعية.
وساهم دخول شركات رائدة مثل «تيسلا» إلى السوق المغربي في ترسيخ مكانة المملكة عالمياً، حيث بدأ التخطيط لاستقبال أول مصنع إفريقي للعملاق الأمريكي في المغرب، بإنتاج ضخم ووظائف مباشرة، وتوقعات بأن يبدأ التشغيل الفعلي قريباً. ويوازي هذا النجاح توقيع صفقات توريد ضخمة لمركبات كهربائية متطورة بين المغرب وشركات آسيوية، مما يعزز مكانته كبوابة صناعية وابتكارية للقارة الإفريقية.
وفيما يخص قطاع الليثيوم الحيوي، انطلقت مشاريع مشتركة بين مجموعات مغربية وصينية لإنشاء مصانع لتكرير الليثيوم وتصنيع الأنودات والكاثودات – وهي المكونات الأساسية للبطاريات الحديثة. وتظهر بيانات رسمية أن المغرب بات على استعداد تام لتصدير المواد الأولية ومكونات البطاريات، مستفيداً من ثرواته المعدنية الفريدة، خصوصاً الفوسفات والكوبالت، ما جعله مركزاً مطلوباً لتصنيع الطاقة الخضراء على المستوى العالمي.
هذا التوجه الاستراتيجي ينعكس بوضوح على حجم الصادرات المغربية في صناعة السيارات الكهربائية، والتي تجاوزت العام الماضي حاجز 157 مليار درهم، مع توقعات بمضاعفة هذا الرقم في السنوات المقبلة. كما أكد وزير الصناعة أن المغرب ينطلق نحو إنتاج أول خلية بطارية مغربية نهاية 2026، في خطوة تعزز استقلالية المملكة عن الموردين التقليديين وتعزز قدرتها على المنافسة الإقليمية والدولية.
وبالاستناد إلى هذه الدينامية، يجني المغرب يوماً بعد يوم ثمار التحول الصناعي نحو السيارات الكهربائية وتكرير الليثيوم، ما يجعل الصناعة الوطنية نموذجاً يُحتذى به في المنطقة العربية والعمق الإفريقي. وبفضل الرؤية الحكيمة والمبادرات التشاركية بين القطاعين العام والخاص، تقترب الأقاليم الصناعية المغربية من تحقيق قفزة اقتصادية وتكنولوجية لا مثيل لها وتؤسس لجيل جديد من الصادرات عالية القيمة، قادرة على رفع اقتصاد البلاد نحو آفاق أوسع، ومعززة لمكانة المغرب كقوة صناعية خضراء في مشهد الاقتصاد العالمي الحديث.
Photo de Tom Fisk: https://www.pexels.com/fr-fr/photo/ville-construction-industrie-metal-5982898/