
خطوة جديدة تؤكد المكانة المتنامية للمغرب كوجهة مفضلة لخدمات الزبناء والأعمال الموجهة للأسواق الدولية. فقد أعلنت شركة TotalEnergies العالمية عن قرارها نقل خدمات مراكز النداء الخاصة بزبنائها الناطقين بالفرنسية من بلجيكا إلى المغرب ابتداءً من مطلع السنة المقبلة. هذا التحول الاستراتيجي، الذي وُصف في أوروبا بـ”الجرئ”، يعكس اعترافاً صريحاً بالكفاءة المغربية في مجال خدمة الزبناء.
من لياج البلجيكية إلى الدار البيضاء المغربية
قرار الشركة الفرنسية العملاقة جاء على خلفية خسارة مجموعة Ikanbi Belgium أحد أهم عقودها، ما عرض وظائف نحو 150 مستخدماً في مدينة لياج للخطر. هؤلاء كانوا مكلفين بإدارة مكالمات وخدمات مرتبطة بالفوترة، العقود، وتغيير العدادات لزبناء الشركة في السوق الأوروبية.
اختيار المغرب، وتحديداً الدار البيضاء، لم يكن اعتباطياً. فالمملكة باتت وجهة رائدة لمراكز النداء بفضل بنيتها التحتية الحديثة، مواردها البشرية المؤهلة، وانتشار مراكز التدريب ومعاهد اللغات، إلى جانب بيئة عمل تنافسية تسمح بتقديم خدمات بمعايير أوروبية لكن بتكاليف أقل.
دوافع اقتصادية واستراتيجية
قرار TotalEnergies يحمل أبعاداً متعددة. فمن جهة، تبحث الشركة عن تقليص التكاليف التشغيلية المرتفعة في أوروبا. ومن جهة أخرى، تراهن على جودة الكفاءات المغربية التي أثبتت قدرتها على مواكبة متطلبات كبريات الشركات العالمية.
المغرب، خلال العقدين الأخيرين، تحول إلى “وادي السيليكون” الخاص بخدمات الزبناء في المنطقة، حيث استقرت شركات فرنسية، إسبانية وألمانية كبرى. هذا النجاح لم يأت من فراغ، بل نتيجة سياسات حكومية داعمة، وارتفاع عدد الشباب المتخرجين من معاهد التواصل ونظم إدارة الزبناء الرقمية.
جدل أوروبي وقلق اجتماعي
في المقابل، أثار القرار جدلاً واسعاً داخل بلجيكا، خاصة في مدينة لياج التي تواجه فقدان العشرات من مناصب العمل. النقابات العمالية البلجيكية انتقدت بشدة نقل الوظائف إلى الخارج، ووصفت الخطوة بأنها “تهديد مزدوج”، حيث تسرع من وتيرة ترحيل فرص العمل نحو دول أخرى، وتكشف أيضاً عن خطر قادم يتمثل في الأتمتة والذكاء الاصطناعي، الذي قد يعوض تدريجياً الأطر البشرية بروبوتات تفاعلية.
هذا النقاش يعكس التحديات التي تواجهها أوروبا في الحفاظ على وظائفها التقليدية أمام المنافسة العالمية والتطور التكنولوجي المتسارع.
مكاسب مهمة لسوق الشغل المغربي
على الجانب الآخر، يمثل القرار فرصة كبيرة للمغرب. فانتقال مراكز النداء التابعة لشركة عملاقة بحجم TotalEnergies يُعد اعترافاً بجودة الكفاءات المحلية، ويخلق فرصاً مهنية جديدة للشباب المغاربة في مجال التواصل وخدمة الزبناء.
القطاع يشغل بالفعل عشرات الآلاف من المغاربة، ويوفر مجالاً للتطور المهني بمرتبات محترمة مقارنة بسوق الشغل المحلي. كما يساهم في جلب استثمارات أجنبية حديثة، تعزز الابتكار ونقل التكنولوجيا، وهو ما يزيد من تنافسية المغرب إقليمياً ودولياً.
نحو ترسيخ المغرب كقطب إقليمي
الثقة التي تبديها كبريات الشركات الفرنسية والأوروبية في المغرب تؤكد أن المملكة تمتلك كل المقومات لتكون مركزاً إقليمياً في قطاع مراكز النداء وخدمات الأعمال. مدن مثل الدار البيضاء، الرباط، وطنجة أصبحت وجهات رئيسية في هذا المجال، بفضل الدينامية التي تجمع بين التوظيف والتكوين والشراكات مع القطاعين العام والخاص.
المغرب في قلب التحولات العالمية
مع التحول الرقمي وتدويل خدمات الزبناء، يتجه المغرب بخطى ثابتة نحو ترسيخ موقعه كقطب إقليمي لخدمات الأعمال الذكية. ويمثل قرار TotalEnergies خطوة إضافية تمنح الاقتصاد الوطني إشعاعاً جديداً على الساحة العالمية، وتفتح الباب أمام مزيد من الاستثمارات في قطاع يشهد تنافسية متزايدة.
✍️ في النهاية، يمكن القول إن انتقال مراكز النداء الخاصة بـTotalEnergies إلى المغرب ليس مجرد عملية ترحيل وظائف، بل هو اعتراف عالمي بالكفاءة المغربية، ورسالة واضحة بأن المملكة باتت لاعباً أساسياً في سوق الخدمات الدولية، قادراً على موازنة الجودة والتكلفة، وفتح آفاق واعدة أمام شبابها.
Photo de Yan Krukau: https://www.pexels.com/fr-fr/photo/gens-personnes-individus-bureau-8867262/