pexels-pixabay-60013

شهد المغرب خلال شهر غشت 2025 واحدة من أقسى موجات الحر التي عرفتها البلاد منذ سنوات طويلة، بعدما سجلت مختلف المدن الكبرى والصغرى ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة. الرقم الأبرز كان من نصيب مدينة العيون بالصحراء المغربية، التي بلغت فيها الحرارة 49.2 درجة مئوية، متجاوزة السجل التاريخي الذي ظل صامداً منذ سنة 2016.

ولم تقتصر هذه الظاهرة على المناطق الصحراوية المعروفة بارتفاع درجات الحرارة عادة، بل طالت أيضاً مدناً ساحلية كبرى مثل الدار البيضاء وأكادير، حيث ارتفعت المؤشرات بفارق يتراوح ما بين 5 و8 درجات عن المعدلات الطبيعية المعتادة خلال هذا الفصل. الأمر الذي جعل المواطنين يواجهون أياما صعبة تزامناً مع فصل صيف غير عادي.


الشركي.. المتهم الأول في موجة الحر

بحسب خبراء الأرصاد الجوية، تعود هذه الارتفاعات القياسية بالأساس إلى تأثير الرياح الشرقية الجافة المعروفة محلياً بـ”الشركي”، التي جلبت معها كتل هوائية ساخنة من عمق الصحراء الكبرى. وزادت هذه الرياح من حدة الحر بسبب طبيعتها الجافة، مما جعل الإحساس بدرجات الحرارة أعلى بكثير مما هو مسجل على أجهزة القياس.

كما ساهمت ظاهرة “الفوين” فوق السفوح الجبلية في تضاعف الحرارة بشكل أكبر، حيث تؤدي هذه الظاهرة المناخية إلى تسخين الكتل الهوائية أثناء انحدارها من المرتفعات نحو السهول. هذه العوامل مجتمعة جعلت المغرب يعيش أسبوعاً يوصف بالاستثنائي من حيث الظروف المناخية.


تأثيرات مباشرة على الفلاحة والصحة

الموجة الحارة لم تمر دون أن تترك بصمتها على القطاعات الحيوية في البلاد. القطاع الفلاحي كان أول المتضررين، إذ تزامن الحر مع فترة حساسة بالنسبة للمحاصيل، ما زاد من مخاطر الجفاف وقلص من إنتاجية الأراضي الزراعية.

من جهة أخرى، عانت المدن الكبرى من ضغط متزايد على شبكات الكهرباء والماء، نتيجة الإقبال الكبير على أجهزة التبريد والمكيفات. كما أظهرت المستشفيات ومراكز الصحة ارتفاعاً في حالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس، خصوصاً لدى كبار السن والأطفال، ما دفع السلطات الصحية إلى إطلاق حملات توعية تحث المواطنين على تفادي التعرض المباشر للشمس وشرب كميات كافية من الماء.


تحولات مناخية مقلقة ورسائل تحذير

مديرية الأرصاد الجوية الوطنية أكدت أن ما وقع ليس مجرد موجة صيفية عابرة، بل حلقة جديدة في سلسلة التحولات المناخية العالمية التي باتت تضرب المغرب بوتيرة متصاعدة. وحذرت من أن مثل هذه الموجات الحارة مرشحة للتكرار خلال السنوات المقبلة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للتكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية.

الخبراء البيئيون شددوا على ضرورة تبني سياسات استراتيجية، تشمل تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، الاستثمار في الطاقات المتجددة، وتطوير أنظمة للإنذار المبكر لمواجهة الظواهر المناخية المتطرفة. كما دعوا إلى إعطاء الأولوية لحماية الفئات الهشة التي تعد الأكثر عرضة لهذه المخاطر.


عودة نسبية للاعتدال ونظرة للمستقبل

مع نهاية شهر غشت، بدأت درجات الحرارة تعرف تراجعاً تدريجياً، بفضل تأثير التيارات البحرية الغربية التي ساهمت في تلطيف الأجواء بالسواحل والمناطق الشمالية. ومن المرتقب أن يشهد المغرب خلال الأسابيع المقبلة تقلبات انتقالية مع اقتراب فصل الخريف، حيث يُنتظر هبوب أمطار متفرقة مصحوبة بعواصف رعدية خاصة في مرتفعات الأطلس.

لكن رغم هذا الانفراج النسبي، تبقى الرسالة الأوضح أن المغرب يدخل مرحلة جديدة من التحديات المناخية، تتطلب وعياً جماعياً وسلوكاً أكثر استدامة من طرف المواطنين، إلى جانب قرارات حاسمة من صناع القرار لضمان مستقبل بيئي آمن للأجيال القادمة

Photo de Pixabay: https://www.pexels.com/fr-fr/photo/photo-de-l-arbre-nu-brun-sur-une-surface-brune-pendant-la-journee-60013/